لوقت طويل، كان يمكن اختصار قصة السكن في مصر بجملة واحدة: المساحة هي كل شيء. روّج المطورون لها، وتمسّكت العائلات بها، ودفع المشترون ثمنها بثقة. الشقة الكبيرة كانت رمز استقرار، والصالة الواسعة كانت ضرورية. وكان المنزل يُقاس بعدد الأمتار قبل أي شيء آخر. اليوم، يتغير هذا المفهوم. بهدوء في البداية، ثم بشكل أوضح، يشهد السوق المصري صعودًا ملحوظًا للوحدات السكنية الصغيرة. في بعض المشروعات تصل المساحات إلى 35 مترًا مربعًا، وهي مساحة كانت تبدو غير منطقية بالنسبة للثقافة المصرية. ومع ذلك، تحقق هذه الوحدات رواجًا، وفي حالات كثيرة تُباع أسرع من الوحدات الأكبر.
هذا التغيير لم يأتِ من تقليد خارجي. إنه تغيير نابع من داخل السوق نفسه. المشترون طلبوه، والمطورون استجابوا له. النتيجة هي فئة جديدة من المنازل تتحدى التصورات القديمة لما يجب أن يبدو عليه المنزل المصري.
السوق لم يعد يفكر بالأمتار فقط
صعود الوحدات الصغيرة لم يبدأ كموضة تصميمية ولكن بدأ كسلوك استهلاكي. أصبح المشترون يفضلون المواقع والخدمات على المساحة. أصبحوا يختارون الحركة والحياة اليومية السهلة بدل الغرف الغير المستخدمة والصالات الكبيرة التي لا تُستغل. التغيير كان تدريجيًا ولكنه مستمر. وعندما لاحظ المطورون أن أصغر الوحدات هي أول ما يتم حجزه عند الإطلاق، اتضحت الاتجاهات الحقيقية للسوق.
الضغوط الاقتصادية جزء من القصة، لكنها ليست القصة كلها. ما تغير فعلًا هو توقعات الناس عن طريقة العيش. الفرد الذي يعمل في المدينة لم يعد بحاجة لشقة 200 متر لتبقى فارغة معظم الأسبوع. حديثي الزواج يفضّلان مساحة مرنة في بداية حياتهما لكي يتحملوا تكلفتها دون إنهاك الدخل. الأسر التي كبر أبناؤها لم تعد تحتاج نفس المساحة التي احتاجتها من قبل. أصبح الكثيرون يريدون منزلًا يناسب نمط حياتهم، وليس نمط حياة مبنيًا على خدمة منزل كبير.
كما أصبحت الثقافة المصرية أكثر انفتاحًا على أنماط العيش العالمية. نيويورك وسنغافورة خلقوا نموذجًا كاملًا حول فكرة السكن المدمج. هناك، الوحدة الصغيرة ليست تنازلًا، بل اختيار عملي وذكي. ومع تغير أنماط الحياة في مصر، بدأ هذا المنطق يصبح أكثر قبولًا.
حين أصبحت ال35 مترًا خيارًا منطقيًا
مساحة 35 مترًا كانت تُعد مساحة غير قابلة للنقاش في السوق المصري سابقًا. لم تكن تتوافق مع ثقافة استقبال الضيوف أو التجمعات العائلية. ومع ذلك، بدأت هذه المساحة تظهر في المشروعات الجديدة، والمفاجأة أنها وجدت جمهورها. ليس الجميع، ولكن عددًا كافيًا للتأثير على خطط المطورين.
هذه الوحدات تخاطب من يريد استقلالية بتكلفة معقولة. تخاطب المستثمر الذي يبحث عن تكلفة دخول منخفضة وسيولة أسرع. تخاطب المستأجر الذي يريد العيش داخل كومباوند دون دفع تكلفة شقة كاملة. وتناسب أيضًا العاملين في القاهرة الجديدة أو العاصمة الإدارية ممن يحتاجون نقطة سكن بسيطة وفعّالة.
بمجرد قبول المشترين لها، ازدادت ثقة المطورين في طرح أنواع أكثر من الوحدات المدمجة. لم تعد مساحة 35 مترًا صادمة. أصبحت ضمن لغة السوق.
Elm Tree من مدينة مصر: مثال واضح على السكن المدمج
أحد أبرز الأمثلة على هذا التحول هو مشروع Elm Tree من شركة مدينة مصر. تم تصميم المشروع اعتمادًا على مفهوم المساحات العملية في بعض الوحدات بدلا من المساحات الواسعة غير المستخدمة. يقدم Elm Tree وحدات صغيرة تلبي احتياجات فعلية. التخطيط والتسعير والخدمات تجعل المشروع نقطة جذب المشترين الذين يريدون منزلًا عصريًا دون ضغط مالي كبير.
Elm Tree ليس وحده. مشروعات عديدة في القاهرة تقدم استديوهات وغرف نوم واحدة بمساحات بين 45 و60 مترًا. وفي غرب القاهرة، ظهرت نفس التوجهات.
النمط واحد. عند طرح وحدات صغيرة في أي مشروع، تكون غالبًا الأسرع مبيعًا. ليس لأنها الأرخص دائمًا، بل لأنها تحل مشكلة حقيقية لشريحة حقيقية من السوق.
ما الذي يجعل الوحدات الصغيرة جذابة اليوم
الوحدات الصغيرة تناسب أكثر من شريحة واحدة. فهي تعكس تحولًا في كيفية تقدير الناس لوقتهم ومواردهم. المنزل الأصغر أسهل في التنظيف. أسهل في الإدارة. أسهل في التأثيث. أسهل في التغيير. كما تقلل العبء الشهري من صيانة وكهرباء ومرافق. وفي الكومباوندات الحديثة التي توفر حدائق وصالات رياضية وخدمات متنوعة، يستطيع السكان الاستمتاع بأسلوب حياة كامل دون الحاجة لمساحة كبيرة داخل المنزل.
أما للمستثمر، فالوحدة الصغيرة تمتلك مميزات واضحة. الطلب الإيجاري عليها مرتفع لأنها تناسب الشباب والطلاب والعاملين بالقرب من مناطق الأعمال. كما أنها أسهل في البيع لاحقًا بسبب انخفاض سعرها مقارنة بالوحدات الأكبر.
بالنسبة للمطور، توفر هذه الوحدات تنوعًا في قاعدة العملاء. تجذب شريحة جديدة لم تكن قادرة على الشراء سابقًا. كما تسمح ببيع عدد أكبر من الوحدات دون زيادة المساحات المستغلة من الأرض. وتعكس فهمًا دقيقًا لكيفية تغير السوق.
صعود الوحدات الصغيرة لا يغير فقط شكل السكن، بل يؤثر على شكل المدن نفسها. فالمساحات الصغيرة تحتاج إلى تصميم ذكي. تحتاج إلى تخطيطات فعّالة وجودة تنفيذ أعلى. كما تشجع المطورين على بناء مشروعات مختلطة الاستخدام تضم خدمات ومساحات خضراء قريبة من السكان. هذا يتماشى مع رؤية مدن متصلة وليست مجتمعات سكنية معزولة.
الخيارات المتعددة
ما يحدث في السوق المصري اليوم يتجاوز فكرة اختلاف المساحات. المشترون لم يعودوا مضطرين للاختيار بين شقة كبيرة أو لا شيء. السوق اليوم يقدم 35 مترًا للباحث عن نقطة سكن. 45 و60 مترًا لاستوديو بغرفة نوم واحدة. 120 مترًا لأسرة صغيرة. 250 مترًا للعائلة الكبيرة.
هذا التنوع هو العلامة الفارقة. إنه دليل أن السوق يستمع ويتطور. ودليل على أن نمط السكن في مصر لم يعد نمطًا واحدًا.
الوحدات الصغيرة ليست مستقبل الجميع، لكنها جزء مهم من المستقبل. صعودها ليس مصادفة، بل نتيجة طلب حقيقي وتغيرات اجتماعية واقتصادية واضحة. ما دام المطورون مستمرين في تطويرها، وما دام المشترون يقدّرون الوظيفة أكثر من الحجم، سيظل السكن المدمج واحدًا من أهم القوى المؤثرة في العقار المصري.