لطالما شكّل قطاع التشييد حجر الأساس في مسيرة التنمية بمصر. ولكن، ومع تفاقم تغيّر المناخ وتسارع وتيرة التمدُّن، آن الأوان لإعادة التفكير في كيفية البناء. ويُعَدّ التحوُّل إلى استخدام المزيد من المواد الطبيعية خطوة جوهرية لا بد منها. الأمر لا يقتصر على مجرّد اتباع صيحات «البناء الأخضر»، بل يتعلّق في جوهره بضمان مستقبل قابل للعيش في مصر.
لماذا يَكتسب هذا الأمر أهمية الآن؟
تُعدّ مصر من أكثر الدول عُرضة لتبِعات تغيّر المناخ. ووفقاً لتقرير البنك الدولي، فإن ارتفاع درجات الحرارة قد يدفع البلاد إلى مواجهة موجات حرّ متكررة، وجفاف طويل الأمد، ونقص حاد في المياه بحلول عام 2050. ما علاقة التشييد بكل هذا؟ علاقة كبيرة. فحوالي %23 من انبعاثات الكربون في مصر تأتي من قطاع البناء وحده.
ورغم هذه المخاطر، لا يزال أكثر من %60 من المباني الجديدة في مصر يُشيَّد باستخدام مواد تقليدية كالإسمنت والصلب والعزل الصناعي — وكلّها ذات بصمة كربونية مرتفعة. في زمنٍ بات التغيير فيه ضرورة ملحّة، فإن الاستمرار على هذا النهج غير قابل للاستدامة.
ما هي المواد الطبيعية للبناء؟
المواد الطبيعية للبناء هي تلك المُستخرَجة من الطبيعة مع أدنى حدّ من المعالجة. وتتضمّن:
- الطوب اللبن والطوب الطيني
- التربة المدكوكة
- الحجارة
- الخيزران
- بالات القش
- الخشب من غابات مدارة بشكل مستدام
- الجص الجيري ومواد العزل الطبيعية كصوف الأغنام أو القنب
تتميّز هذه المواد بكونها قابلة للتحلُّل الحيوي، وغير سامة، وموفِّرة للطاقة سواء أثناء تصنيعها أو استخدامها.
فوائد المواد الطبيعية في البناء
١. أثر بيئي أقل
تتطلّب المواد الطبيعية طاقة أقل بكثير لإنتاجها. على سبيل المثال، يحتاج تصنيع طوبة طينية إلى وقود أقل بكثير مقارنة بإنتاج بلوك إسمنتي. كما أن العديد من هذه المواد يمكن الحصول عليها محلياً، ما يُسهم في تقليل الانبعاثات الناتجة عن النقل.
٢. جودة هواء داخلي أفضل
عادةً ما تُطلق المواد الصناعية المُستخدَمة في البناء مواد كيميائية ضارّة تُعرف باسم المركبات العضوية المتطايرة (VOCs). في المقابل، تسمح المواد الطبيعية بتهوية أفضل وتقليل الملوّثات داخل المنازل، ما يؤدي إلى بيئة معيشية أكثر صحّة.
٣. راحة حرارية مناسبة لمناخ مصر
تُوفّر مواد مثل الطوب اللبن وبالات القش والتربة المدكوكة عزلًا حراريًا ممتازًا، مما يحافظ على برودة المساحات الداخلية صيفًا ودفئها شتاءً. وهذا يقلّل من الحاجة إلى التكييف، ويوفّر في استهلاك الطاقة والتكاليف. في بلدٍ حار مثل مصر، تُعدّ هذه ميزة بالغة الأهمية.
٤. التحمُّل وطول العمر
خلافاً للاعتقاد السائد، فإن العديد من المواد الطبيعية متينة للغاية. فالمنازل المصرية التقليدية المبنية من الطين والحجر صمدت لقرون. وعند صيانتها بشكل مناسب، يمكن للمباني الطبيعية أن تدوم لفترة مساوية — أو حتى أطول — من تلك المبنية بالمواد الصناعية الحديثة.
٥. تعزيز الاقتصادات المحلية
يعتمد البناء الطبيعي غالبًا على المواد والعمالة المحلية. وهو ما يُساهم في توفير فرص عمل، ودعم الحرفيين، وتقوية الاقتصاد في المناطق الريفية. وبدلاً من استيراد مواد مكلفة، يمكننا توجيه الاستثمارات نحو مجتمعاتنا.
مفاهيم مغلوطة تُعيق التقدُّم
يتردّد بعض البنّائين في استخدام المواد الطبيعية، خشية أن تكون قديمة الطراز أو غير فعّالة. لكن هذا التصوُّر يتجاهل التقنيات الحديثة التي تدمج بين المواد التقليدية والهندسة المعمارية المعاصرة.
تُبرِز مؤسسات مثل Earthship Biotecture وأمثلة من Green Building Africa كيف يمكن توظيف المواد الطبيعية بشكل مبتكر وأنيق. بل إن دولاً مثل المغرب والهند، وحتى بعض المناطق في أوروبا، تُدرِج هذه الأساليب بنجاح في قطاع التشييد التقليدي.
ماذا عن اللوائح التنظيمية؟
لا تزال قوانين البناء في مصر تميل بشدّة إلى الأساليب التقليدية. وهذه واحدة من التحديات الأساسية. فمن أجل تبنّي أوسع للمواد الخضراء، نحتاج إلى تحديث السياسات وتقديم الحوافز. ومع ذلك، يبقى في مقدور المطوّرين العقاريين من القطاع الخاص اتخاذ قرارات مسؤولة.
ما الذي يجب أن يعرفه المشترون المحتملون؟
سواء كنت تبني منزلك من الصفر أو تبحث عن وحدة سكنية مستدامة، من المفيد أن تعرف من أين تبدأ. منصّات مثل بَيوت تُوفّر وصولاً سهلاً إلى قوائم العقارات، بما في ذلك المشاريع الجديدة التي تركّز على التصميم الصديق للبيئة.
تتميّز بَيوت بواجهة استخدام سهلة، ووصف تفصيلي للعقارات، وصور عالية الجودة. ويمكنك فلترة النتائج بسرعة بحسب نوع العقار، وموقعه، والخصائص التي تهمّ المشترين الواعين بيئياً.
نحو مصر أكثر ذكاءً وخضرة
مع نمو السوق العقارية في مصر، ينبغي للمشترين والمطوّرين معاً أن يتجاوزوا التفكير بمفهوم المساحات القابلة للبيع فقط. فالاستدامة اليوم لم تَعُد ترفاً بل ضرورة. ويُعدّ الاستثمار في المواد الطبيعية للبناء أحد أبسط وأقوى السبل لتقليل الانبعاثات، وتحسين الراحة، ودعم المرونة طويلة الأمد.
لا مجال للتأجيل. فالآثار الملموسة لتغيُّر المناخ باتت واضحة، وقطاع التشييد جزء من الحل. اختيار المواد الطبيعية لا يُعتبر تضحية، بل خطوة ذكية ومسؤولة تفيد الإنسان والبيئة معاً.
وباعتماد قرارات مدروسة اليوم، يمكننا بناء منازل أكثر صحّة، ومصر أكثر استدامة في الغد. وعندما تكون مستعداً لاستكشاف عقارات تُجسّد هذه القيم، فإن بَيوت تُعدّ مكاناً مثالياً لبدء رحلتك.