تواصل الجونة ترسيخ مكانتها كإحدى أبرز المدن الساحلية المتكاملة على البحر الأحمر، حيث تشهد في عام 2025 مرحلة جديدة من التطور والتوسع. بعد أكثر من ثلاثة عقود على تأسيسها، لم تعد المدينة مجرد وجهة سياحية موسمية، بل أصبحت نموذجًا لأسلوب حياة متكامل يجمع بين السكن والعمل والترفيه في بيئة مستدامة ومنظمة.
خلال العامين الماضيين، تزايدت الاستثمارات في المرافق والبنية التحتية، وتم إطلاق مشاريع سكنية وسياحية جديدة تعكس نضوج التجربة العمرانية في المدينة. الجونة اليوم تمثل حالة مختلفة في مشهد التطوير الساحلي في مصر، فهي مدينة تُبنى لتعيش فيها، ليس لتزورها فقط.
مشروعات جديدة على الواجهة المائية
شهدت الجونة خلال العام الماضي إطلاق عدد من المشاريع الجديدة التي تعيد صياغة علاقتها بالبحر والبيئة. مشروع فنادر شورز (Fanadir Shores) على سبيل المثال يبرز كأحد أهم هذه الإضافات. يمتد على منطقة مائية جديدة تجمع بين الكثافة السكنية المحدودة وإمكانية الوصول المباشر إلى المارينا وإطلالات البحر. التصميم يوازن بين الخصوصية وسهولة الحركة، مع اهتمام بالمساحات الخضراء واستدامة الموارد.
مشروع آخر هو ذا فير وايز (The Fairways) القريب من منطقة الجولف، والذي يستهدف من يبحثون عن المساحات الهادئة والإطلالات المفتوحة. يعكس هذا التوجه فلسفة جديدة في التطوير: التركيز على جودة المعيشة أكثر من عدد الوحدات.
إلى جانب هذه المشاريع السكنية، يجري العمل على فنادق صغيرة ومساكن خدمية تضيف خيارات جديدة للزوار والمقيمين. هذه التطورات تشير إلى انتقال الجونة من مدينة منتجعات موسمية إلى مدينة حياة متكاملة، قادرة على استيعاب العائلات والمهنيين والمتقاعدين الباحثين عن نمط عيش ساحلي مستدام.
تحديثات في البنية التحتية ونمط الحياة
تحسّن البنية التحتية في الجونة أصبح ملموسًا. تم تطوير الطرق الداخلية وإعادة رصفها، وتحسين الإضاءة العامة، وإدخال وسائل تنقل داخلية أكثر استدامة وصديقة للبيئة. كما واصلت شركة أوراسكوم للتنمية استثماراتها في مشروعات الطاقة الشمسية وإدارة المخلفات، ما عزز مكانة الجونة كواحدة من أكثر المدن التزامًا بالمعايير البيئية على ساحل البحر الأحمر.
لكن التغيير لم يقتصر على المرافق فقط، بل شمل أسلوب الحياة نفسه. مشهد الجونة لم يعد يدور حول المهرجانات فقط، رغم أن مهرجان الجونة السينمائي ما زال يحتفظ بمكانته كحدث سنوي بارز.
خلال السنوات الأخيرة أضيفت فعاليات جديدة مثل السباقات الرياضية، وورش العمل الفنية والثقافية تُقام على مدار العام، مما جعل المدينة تنبض بالحياة حتى خارج الموسم الصيفي.
التحول شمل أيضًا المرافق اليومية. توسعت مساحة المكاتب المشتركة (Co-working Spaces)، وافتتحت عيادات خاصة ومدارس جديدة، ما جعل الحياة في الجونة أكثر استقرارًا وملاءمة للعائلات والمهنيين المقيمين. اليوم يمكن للمرء أن يعيش ويعمل ويتعلم في المدينة نفسها دون الحاجة للعودة إلى القاهرة لقضاء شؤونه اليومية.
سوق العقارات واتجاهات الطلب
رغم التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، تواصل الجونة جذب المستثمرين المحليين والأجانب. لا تزال العقارات في الجونة تتمتع بسمعة قوية من حيث الاستقرار والعائد على الاستثمار. في المناطق الراقية مثل أبو تيج مارينا وفنادير.
الطلب في الجونة يتجاوز العرض في أغلب المناطق المطلة على الماء. أسعار الوحدات تختلف تبعًا للموقع والإطلالة، لكن الاتجاه العام يشير إلى نمو مستقر لا إلى تضخم.
الاهتمام الآن يتجه نحو الوحدات الصغيرة والمتوسطة التي تجمع بين سهولة الصيانة والقيمة الطويلة الأمد. هذه الوحدات أصبحت الخيار المفضل للأسر الصغيرة والمهنيين الشباب الباحثين عن حياة هادئة قرب البحر.
الشركات المطوّرة بدورها تكيفت مع الواقع الجديد عبر تقديم خطط سداد مرنة، تستهدف المصريين الراغبين في امتلاك منازل ساحلية إلى جانب المستثمرين الأجانب الباحثين عن إقامة طويلة الأمد. كما حافظت عوائد الإيجار على مستويات جيدة، خصوصًا للوحدات القريبة من المارينا والشواطئ، حيث يستمر الطلب طوال العام.
اقتصاد متنوع يتجاوز السياحة
أصبحت الجونة اليوم مركزًا اقتصاديًا مصغرًا يعتمد على أكثر من قطاع واحد. بجانب السياحة والفنادق، ظهرت شركات صغيرة ومتوسطة، ومكاتب متخصصة في التكنولوجيا والخدمات الرقمية، مستفيدة من الإنترنت القوي والبنية اللوجستية الحديثة.
هذا التنوّع خلق فرص عمل جديدة، وأعاد تعريف فكرة “المدينة الساحلية” في مصر لتصبح بيئة عمل وإبداع وليس عطلة فقط.
في الوقت نفسه، أثر هذا النمو على السوق العقاري نفسه. ازدادت أهمية الشقق ذات التصاميم المرنة والوحدات المفروشة والفيلات الصغيرة القريبة من مناطق الخدمات، مما جذب فئة جديدة من المقيمين الذين ينظرون إلى الجونة كمزيج بين العمل والحياة اليومية.
تحديات وفرص
ورغم الصورة الإيجابية، هناك جوانب تحتاج إلى متابعة دقيقة. فالتوسع العمراني يجب أن يوازيه تطوير في الخدمات العامة حتى لا تتعرض البنية التحتية لضغط يفوق طاقتها. الحفاظ على مستوى الجودة والخدمة هو ما سيضمن استدامة نجاح المدينة.
كما تبقى موسمية الإقبال تحديًا جزئيًا. صحيح أن الفعاليات الجديدة ساعدت على تنشيط الحركة على مدار العام، لكن التفاوت بين فصول السنة لا يزال قائمًا. الحل يكمن في تعزيز النشاط الاقتصادي المحلي وربط الجونة أكثر بالمناطق المجاورة مثل الغردقة وسفاجا.
أما من حيث الأسعار، فما زالت الجونة وجهة ذات تكلفة مرتفعة مقارنة بالمناطق القريبة، إلا أن القيمة التي تقدمها من حيث الأمان، الخدمات، والبنية التحتية تجعلها خيارًا منطقيًا لمن يبحث عن استثمار طويل الأمد وليس مكسبًا سريعًا.
للمشترين والمستثمرين
للمقيمين، يُنصح بالتركيز على المجتمعات التي تمتلك خدمات جاهزة وصيانة موثوقة، خاصة القريبة من المدارس والمارينا والمناطق التجارية.
وللمستثمرين، تظل الجونة سوقًا ناضجة أكثر من كونها فرصة مضاربة. الوحدات المطلة على البحيرات أو الواقعة داخل مجمعات متكاملة توفر أفضل فرص للعائد أو الإيجار المستقر.
أما لمن يفكر في الانتقال إليها، فالجونة تقدم تجربة انتقال سهلة نسبيًا. اللغة الإنجليزية منتشرة، والخدمات الأساسية متوفرة، والبيئة آمنة ومنظمة. التحدي الوحيد هو توفر الوحدات المناسبة، إذ تُباع أو تُؤجَّر الأفضل بسرعة.